السؤال.. أنا طالب جامعي (جامعة الملك فهد) متخرج من قسم الهندسة الكهربائية (معدل 3.26من4.00) مرتبة الشرف الثانية ولله الحمد.
لكن لدي همة في طلب العلم الشرعي، وأصبحت لا أرغب بأي عمل (قراءة, بحث, استخدام برامج) يتعلق بتخصصي (لا أعلم ماذا يحصل)!
هل ألتحق بوظيفة بسيطة روتينية ليس لها علاقة بتخصصي؟ وهل هناك تعارض بين طلب العلم الشرعي وطبيعة عمل تخصصي؟
الإجابــة.. بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله - تبارك وتعالى - أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يزيدك توفيقًا وسدادًا، وأن يجعلك من العلماء العاملين والأولياء الصالحين.
وبخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل– من أنك ولله الحمد والمنة تخرجت من قسم الهندسة الكهربائية مع مرتبة الشرف الثانية -وهذا من فضل الله تعالى ورحمته- ولكن لديك رغبة في طلب العلم الشرعي وتبحث عن عملٍ بسيط أو وظيفة روتينية حتى تتفرغ لطلب العلم، فأقول لك -أخي الكريم المهندس عبد الله-: بأن هذا التخصص الذي أنت فيه من المتخصصات التي يحتاجها المسلمون.
وما المانع -بارك الله فيك– أن تواصل دراستك العليا في هذا المجال حتى تخدم أمتك في ميدان من الميادين التجريبية الكبرى، بدلاً من أن نظل عالة على أعدائنا شرقًا وغربًا وأن يظل الكفار يتحكمون في مقدرات المسلمين ويستنفذون أموالهم وثرواتهم؟
فإنك لو واصلت الدراسات العليا لأصبحت أستاذًا في هذا التخصص وينفع الله بك، بل إذا فعلت ذلك بنية خدمة الإسلام لكنت طالب العلم الشرعي وزيادة، لأننا كما تعلم لا نستغني عن جميع التخصصات.
فكما أننا في حاجة إلى من يشرح الفقه والتفسير والحديث فنحن في حاجة أيضًا إلى أمثالك من المهندسين في كل التخصصات العملية، وأرى ما دام قد وفقك الله وفتح عليك وخرجت بهذا التميز من الجامعة أن تواصل دراستك في مجالك، لأنك أقدر عليه ولله الحمد والمنة.
وقد سلمتك الهندسة زمامها فأصبحت قادرًا عليها، والدليل على ذلك أنك تخرجت بهذا المعدل المرتفع الرائع، فأرى -والله أعلم– أن تواصل مشوارك في هذا المجال، ولا مانع ما بين أوقات الفراغ أن تقرأ شيئًا في العلم الشرعي الذي هو من باب المعلوم من الدين بالضرورة أولاً.
ثم بعد ذلك أيضًا إذا كانت لديك فرصة أو فراغ لا مانع أن تتلمذ أو تطلب العلم على يد بعض المشايخ، ولكن في حدود الوقت المتاح بالنسبة لك.
أنا لا أريدك أن تضيع هذه الفرصة علينا، فنحن في أمس الحاجة لمهندسين متميزين وأساتذة كبار في المجالات التجريبية، فأتمنى أن تركز جُل اهتمامك على تخصصك وأن تُبدع فيه لتصبح معيدًا في الجامعة أو طالبًا في الدراسات العليا، وبعد ذلك تحضر رسالة الدكتوراه، وتنطلق في عالم الهندسة الكهربائية مدافعًا منافحًا عن المسلمين ولذلك أقول:
أتمنى أن تركز اهتمامك على مجالك وتخصصك، وهذه وجهة نظري، والعلم الشرعي ابدأ فيه بالمعلوم من الدين بالضرورة فتعلمه أولاً، لأن المطلوب منك أن تكون على قدر من العلم الشرعي الذي تعبد به ربك وتتعرف عليه به.
وأيضًا معرفة قدر من العلم الشرعي الذي يضبط لك قاعدة الحلال والحرام وقاعدة الحقوق والواجبات فيما بينك وبين الله وفيما بينك وبين نفسك وفيما بينك وبين الناس جميعًا، بدءاً من والديك ومرورًا بأي مسلمٍ بل وغير المسلمين بل والكون كله.
هذا أقول نوع من التوسط والاعتدال ما دمت قد فتح الله عليك وتخصصت وتميزت في هذا الميدان، فنحن في حاجة حقًّا إلى المتميزين، فأرى أن تواصل دراساتك العليا في هذا الميدان، وإذا كان لديك شيء من الوقت أن تستغله في العلم الشرعي الضروري كما ذكرت.
فإذا ما تعلمت العلم الشرعي الضروري الذي به تصبح مسلمًا ملتزمًا مطبقًا لشرع الله فواصل دراساتك في مجالك في الهندسة الكهربائية وحاول أن تتميز على سائر الناس جميعًا حتى تكون رافعًا لراية الإسلام في مجال من المجالات التجريبية التي انهزم فيها المسلمون كثيرًا.
ويكفي أننا إلى الآن لا نستطيع أن نصنع مصباحًا حتى أسلاك الكهرباء البسيطة مع الأسف الشديدة لا نستطيع أن نصنعها بجدارة وبدون حاجة أو اعتماد على غيرنا.
أيرضيك أن نظل عالة على الناس في هذه الأمور الضرورية ونصبح تحت رحمتهم يعطوننا الفتات وفضلات علمهم ومعارفهم لنظل أمة متخلفة لا نستطيع أن نذود عن عرض ولا أن نحمي أرضاً ولا أن ننشر دعوة؟! ..
أتمنى - بارك الله فيك – أن تعيد النظر في طرحك وأن تأخذ بنصيحة والدك، فإني في مقام والدك – حفظه الله تعالى – فنحن في حاجة إليك مهندسًا كهربائيًا مسلمًا منضبطًا أكثر من حاجتنا إليك مفسرًا أو محدثًا فما أكثر هؤلاء وأولئك في دنيا الناس، ولكن أثرهم متواضع لأن الأمة تحتاج إلى أشياء أخرى غير هذه المعروضة، ولكننا لا نحسن توزيع طاقاتنا.
لو أنك –وصدقني– حصلت على تقدير لايؤهلك لقلت لك توكل على الله وابدأ طلب العلم ويفتح الله عليك، أما بتقدير امتياز وبمعدل مرتبة الشرف الثانية ثم تترك هذا المجال الذي تميزت فيه أرى أن هذه خسارة للإسلام وليست خسارة لك أنت – ابني عبد الله – وحدك، فاستعن بالله ولا تعجز وتوكل على الله، والخير والبركة في الموجودين من المتخصصين في علوم الشريعة وهم كثر ولله الحمد والمنة.
أسأل الله أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يأخذ بناصيتك إلى الحق والعدل وأن يجعلك من العلماء العاملين والأولياء الصالحين.
هذا وبالله التوفيق.
الكاتب: الشيخ / موافي عزب
المصدر: موقع إسلام ويب